بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 1 أكتوبر 2010

تدريب المدراء على إدارة الأزمات

العنوان الأصلي للمقال: Training managers to handle Crisis
المصدر: Employee Counselling Today, Volume7. Number6 1995
* ترجمة: عبدالفتاح الصبحي
أدّى صمت شركة (بان أمريكان) بعد حادث لوكربي إلى خسارة الشركة كمية هائلة من أسهم السوق المالية وبالتالي إلى توقف الشركة عن العمل. أما شركة (ميدلاند) الجوية البريطانية، فقد رفعت صوتها بعد تحطم طائرتها في كيجورث واحتفظت بثقة الجمهور. إنّ هناك دروساً مهمة يمكن أن نتعلمها من أزمات الآخرين، وتتحرى هذه المقالة جانباً من تلك الدروس.
فمن (بان أمريكان) إلى مياه بيريه المعدنية أو من الثاليدوميد إلى تايلينوي، تؤدّي الأزمة إلى تركيز الذهن بصورة مدهشة. إن استرداد منتج ما، ووقف خط من خطوط الإنتاج، أو تعويض الضحايا، قد تكون أموراً محفوفة بمخاطر كافية. لكن إدارة الشركة لإتصالاتها يمكن أن تلعب دوراً حاسماً أبعد من ذلك. ومع ذلك، فإن هذا هو المجال الذي يحظى غالباً بأقل الاهتمام.
حين تواجه إحدى الشركات أزمة ثقيلة الوطأة دعائياً، تطلق عبارة "قد يكون الدور علينا" فورة من النشاط المتأخر لدى الآخرين. ويتم انتداب أحد كبار المديرين في مجال العلاقات العامة، أو السلامة أو المستخدمين، لإعداد كتيب موجز عن الأزمة وتنظيم تدريب إعلامي للمتحدثين الرئيسيين. لكن القليل فقط من هذه الخطط يتاح له أن يرى النور. فمعظم الشركات تنسى في هدوء واسترخاء برنامج الأزمة نصف المكتمل فور أن تخفت صيحات الذعر الأولى. وسرعان ما يتجمع الغبار على تلك الخطط والبرامج التي تم استكمالها وتوضع على الرف ويتجاوزها الزمن حين تحدق أزمة فعلية بالشركة.
إن أفضل الطرق لإعداد شركة ما لمواجهة إحدى الأزمات هي البدء في التدريب والعمل عكس الاتجاه من أجل إعداد كتيب موجز. وأحد أسباب ذلك أن الإدارة الناجحة للأزمة تتطلب فهماً للعوامل السيكولوجية المؤثرة فيها – إذ ليس بإمكانك تعلم هذه العوامل السيكولوجية من أحد الكتيبات. ويتعين على كل عضو في فريق الأزمة أن يفهم غريزياً الجانب الآخر من النزاع – بالنسبة إلى عميل خائف أو مقيم، أو قريب ذاهل، أو موظف قلق، أو سياسي انتهازي أو جماعة ضغط متعصبة. وحين تعرف شعور هؤلاء، تضع اتصالات على أساس ما يحتاجون إلى سماعه، لا على ما تريد أنت إبلاغهم إياه.
وثمة سبب جيد آخر هو أن الأزمة أقرب شبهاً إلى رياضة الفريق منها إلى إجراء موحد. إنها تبدأ بضجة عالية، المعلومات شحيحة، الهواتف تدق، الرؤساء يريدون أن يعرفوا جلية الأمر، الأدرنالين يتدفق، البعض يفقد أعصابه، المديرون الأساسيون لا يمكن العثور عليهم... ثم ترد أول مكالمة من الصحافة.
لكنك إذا أردت من أحد الفرق الرياضية أداءً طيباً، فإنك لا تعطيهم كتيباً تفصيلياً، وتقول لهم أن يدرسوه وتتوقع أن يستجيبوا لكل احتمال. إن الأزمة بطبيعتها تتسم بالتشوش، وليس في وسعك أن تغطي كل حدث طارىء. وكلما أمعنت في تفصيل الأمور، زاد الضرر. والسبب في ذلك أن الناس ليس لديهم الوقت لقراءة الكتيب؛ فإن فعلوا لن يستطيعوا تذكر ما ورد فيه؛ وسرعان ما يتقادم العهد بالإجراءات، ويحل شعور بالرضا عن الذات.
- برنامج نموذجي للإعداد:
تتكوّن الفرق الناجحة – في ملاعب الرياضة وفي إدارة الأزمات – من أعضاء يعرف كل منهم كيفية الأداء وقدرة الزملاء الآخرين عليه وما يمكن توقعه منهم. غير أنه لابدّ من وجود درجة عالية من المرونة، بحيث يستطيع كل عضو في فريق ملء مكان الآخرين. ويجب أن يتم تدريب كل عضو في الفريق وأن يستعد على أساس افتراض أنه حين تصدر الصيحة الحاسمة، سيكون هو أو هي الشخص الوحيد المتاح الذي يجب أن يضطلع بالمهمة كلها وحده.
إنّ البرنامج النموذجي للإعداد يستهدف إعداد إحدى الشركات لمواجهة أزمة أو مشكلة كبرى سيكون مشتملاً على:
1- تدريب نظري: وهو ما يتيح للمديرين التفكير في الأزمات والعوامل السيكولوجية المؤثرة. ويستطيع هؤلاء المديرون الإتفاق على توصيف العام للأزمة والاستماع إلى الكثير من الأسئلة التي ستشكل هيكل خطة الأزمة.
2- المناقشة الفكرية المركزة: يستطيع المديرون المطلعون على الأزمة الآن أن يناقشوا معاً الأزمات العديدة المختلفة التي قد يتعرضون لها وكيفية الاستجابة لها. ويمكن للفريق أن يخلص إلى خطة منطقية عن طريق التوصل إلى إجابات عن أسئلة مثل "ما أشكال الأزمات التي يمكن أن تنزل بنا؟ ومَن سيكون الجمهور الذي نخاطبه؟ وماذا سيكون فعله؟ وكيف يمكن أن نتصل به؟ وما هي رسائلنا له؟
3- التخطيط: الآن يتم وضع أي خطط مكتوبة وعادة ما يكون ذلك على شكل كتيب موجز عن الأزمة.
4- التدريب الإعلامي: لابدّ من حصول المتحدثين في وسائل الإعلام على تدريب خاص على أساليب إجراء المقابلات الخاصة بالأزمة.
5- المحاكاة: إن عمليات محاكاة الأزمة طريقة مفيدة في تقييم نقاط قوة وضعف الفريق وإبقاء أعضاء الفريق مطلعين على الأزمة.
6- الفحص: ينبغي أن يقوم مدقق الأزمة بزيارات مفاجئة للأفراد الأعضاء في الفريق، وأن يختبر مدى معرفتهم بإجراءات مواجهتها. ومن الضروري أن يتحقق مدقق الأزمة من جدة المعلومات الواردة بكتيب الأزمة.
إنّ إدارة الأزمة موضوع يصعب تدريسه بصورة جلية. فهناك العديد من المجالات ذات الملامح غير المحددة، وأفضل السبل – ألا وهو البدء بالتدريب ثم العمل عكس الاتجاه من أجل إعداد كتيب – يختلف جذرياً عن الطريقة التي تحظى بقبول واسع في العمل. إن حلقة اليوم الواحد التمهيدية عظيمة الأهمية لتحقيق التغيير. لكن إقناع كبار المديرين بالحضور يمكن أن يشكل مشكلة. وقد يكون من الممكن إغراؤهم بالتدريب على أساس أن ذلك يلائم مطلباً كان محل تفكيرهم من قبل. ويمكن، في هذه الأحوال، تقديم الحلقة، مثلاً، كتدريب إعلامي لمساعدتهم على مواجهة الكاميرا، أو تعليمهم كيفية تنفيذ الكتيب.
وحين تستخدم خدعة من هذا القبيل لإقناع أشخاص بحضور حلقة ما، فإن من الأهمية المضاعفة أن يكون التدريب الذي نقدمه مفعماً بالحياة، وشيقاً وفعالاً. إن مقومات الحلقة التدريبية الناجحة هي المشاركة، والتعليم الذاتي، والموضوعات الحكائية الشيقة، والجهد العملي، والتنافس الجماعي، والتنظيم... والشعور بالمتعة. ويمكن بسهولة إسداء النصح للموجهين الراغبين في الحصول على هذا المزيج السحري، عند وضع خطة الحلقة، بأن يتجاهلوا القول القديم الذي كان يعتبر أن من الخطأ خلق الدراما من إحدى المشكلات.
- خاتمة:
ربما كانت عبارة أزمة؟ أي أزمة؟ هي أبرز العبارات التي انبثقت من "شتاء السخط" في بريطانيا العام 1978-1979 التصاقاً بالذاكرة. وقد نسبت العبارة إلى رئيس الوزراء جيمس كالاهان، حينما طار عائدا إلى لندن عقب مؤتمر قمة للقوى الأربع عقد في جواديلوب الغارقة في صهد الشمس. ويدرك القليل من الناس فقط حتى الآن أن رئيس الوزراء لم يتفوه قط بتلك الكلمات، التي كانت، في الواقع، من صنع محرر مساعد في إحدى صحف التابلويد القومية. وفيما بعد اشتكى كالاهان قائلاً: "إن الأكذوبة يمكن أن تلف نصف العالم قبل أن تطردها الحقيقة شر طردة". لكن الضرر كان قد وقع، والستطاع الحافظون تصوير زعيم حزب العمال وكأنه منقطع الصلة بالأمور، وانتصرت مارجريت تاتشر في أول انتخابات عامة لها بعد ذلك بشهور قليلة. فهل بوسعك أن تدع منافسيك يحصلون على ميزة مماثلة؟ ربما يكون الوقت قد حان لكي تمزق كتيب الأزمة وتعود إلى الصف الدراسي.

ليست هناك تعليقات: