بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 29 سبتمبر 2010

من ينقذ آدم من "طاقات حواء الذكورية"؟

أسماء أبوشال






لم يعد ممارسة العنف الأسري حكراً على الرجال بعد أن كان ملاذاً لبعضهم عندما ينشب خلافاً عائلياً ، وكذلك لم تعد حواء هي الضحية الأولي لهذا النوع من العنف ، بعد أن كشفت العديد من الدراسات الأوروبية والعربية الحديثة تعرض نسبة كبيرة من الأزواج إلى  الضرب والقهر على يد زوجاتهم.

ويبدو أن العنف الأنثوي أصبح ظاهرة عالمية ، بعد أن تخلت بعض النساء عن رقتها وفضلت استخدام أظافرها على طريقة أفلام مصاصي الدماء ، ففي الهند تقدر نسبة الأزواج الذين يتعرضون للعنف على يد زوجاتهم " 11%, وفى بريطانيا 17%, وفى أمريكا 23%, وفى العالم العربي تراوحت النسبة ما بين 23% و 28%, وتبين أن النسب الأعلى تكون في الأحياء الراقية والطبقات الاجتماعية الأعلى أما في الأحياء الشعبية فالنسبة تصل إلى 18% فقط.
آفة عالمية
وأشارت دراسة بريطانية نشرت هذا الأسبوع أن واحد من كل ستة رجال في بريطانيا يتعرض للعنف من شريكة حياته ، وقالت الدراسة أن 40% من الرجال يتعرضون للضرب والكدمات من قبل الزوجات ، وأظهرت إحصائيات وزارة الداخلية البريطانية منذ عام 2004 :2009 أن الرجال شكلوا حوالي 40% من ضحايا العنف ، وأن هذه النسبة ارتفعت في عام 2006 إلى 43.4 % .
وكشفت الدراسة أن ن نسبة كبيرة من ضحايا العنف الأسري والعائلي هم من الرجال مؤكدة أن العنف الأسري لم يعد قصراً على النساء فقط ، وعرضت قناة "إم بي سي" قصة رجلاً من مدينة "بدريدجارومس" بجنوب شرق بريطانيا من ضحايا العنف الأسري تعرض للضرب والطعن بالسكين من قبل زوجته ، مما أدي لأول مرة بتاريخ المحاكم البريطانية إلي الحكم على الزوجة بأربع أعوام كاملة مع فقدان كليهما الحضانة لولديهما وتسليمهما لدور الحضانة التابعة للدولة.   


كيرن بيل وأثار العنف على جسده

الزوج البريطاني "كيرن بيل" تحدث عن مأساته ، وأظهر آثار الضرب الذي تعرض له من قبل زوجته خلال التقرير التليفزيوني ، وعن الحادثة يقول : تشاجرنا ولكنني فوجئت بالاعتداء بالطعن بالسكين ، وتركتني ملقي على الأرض ، بعدها نجحت فى الاتصال بالشرطة والإسعاف.

ونفي الزوج أنه هو من بدأ بالعنف علي زوجته التي أحبها فوق كل شئ ولم يلمسها بسوء في يوم ما  ، وأن كانت تربطهما قصة حب وطيدة "علي حد قوله" .
ولم يجد "بيل" الذي خضع لعملية جراحية أنقذت حياته في بداية الأمر أي مساعدة تذكر لتفهم وضعيته ، بعكس ما تجده الزوجة عندما تتعرض للعنف من قبل زوجها ، وعلق عن هذا الأمر : "كثيرا ما تهمل الشرطة الرجال المعرضين للعنف وتترك المعتديات طليقات" .
الدعم الوحيد الذي وجده كان من قبل جمعية إنسانية أنشئت مؤخراً تسمي "man kind " ، وعن حالات العنف التي تستقبلها الجمعية يقول رئيس الجمعية "مارك بروكس" : واحد من 6 رجال ببريطانيا يتعرضون للعنف من قبل شريكات حياتهم ، وفي بلد عدد سكانها 60 مليون نسمة ، فإننا بذلك نتحدث عن ملايين من الرجال يتعرضون للضرب "
مؤكداً على أن العنف الأسري يخلف أثاراً اجتماعية ونفسية كبيرة أما "كيرن بيل" الذي تقضي زوجته عقوبة أربع أعوام فى السجن فقد حضانة ولديه ، وأصبحا الآن تحت رعاية أسرة أخرى تكفلت برعايتهما ، ولا يحق للأب استرجاعهما إلا بعد أن يبلغا سن الثالثة عشر وعمرهما الحالي لا يتجاوز سن الثالثة .
ولمواجهة هذا العنف نشأت منظمة تدعي "المنظمة البريطانية للتكافؤ" والتي تدعو للمساواة بين الرجل والمرأة ، وعدم تعنيف الرجل ، وفى برلين فُتح أول ملجأ للرجال الذين تعرضوا للضرب المبرح.
ظاهرة عربية





الدراسة الاجتماعية البريطانية كشفت النقاب عن حقيقة معدلات العنف الأسري  في المجتمع البريطاني ، وأن ضحاياه ليست النساء فحسب بل الرجال يدفعون الثمن أيضاً، ولكن ما هو واقع هذه الظاهرة الاجتماعية على مجتمعاتنا العربية ، هل لا تزال لا تزال المعدلات الحقيقية طي الكتمان ، أم لازالت نساء العرب تنطبق عليهم العبارة الشهيرة "الجنس اللطيف"؟

لاشك أن الظاهرة بدأت تتنامي أيضاً بالدول العربية ، مع زيادة عدد الحالات وظهور جمعيات عديدة تدافع وتطالب بحقوق الرجل منها :
* المغرب : ظهرت حديثاً بالرباط جمعية حقوقية لمجابهة العنف ضد الرجال ، واستقبلت "الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجال" نحو 750 حالة عنف ضد الرجال من قبل زوجاتهم ، بالإضافة إلى سيل من الشكاوي عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني : ويتوزع العنف الذي يتعرض له الرجال في المغرب بين الجسدي والمعنوي والقانوني ، ويصل العنف الجسدي في الحالات التي توصلت إليها الشبكة إلى ما يقارب 20 % من الحالات التي سجلتها الشبكة.
وعن أشكال العنف التي تتلقاها الشبكة يشير رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجال عبد الفتاح البهجاجي تتلخص في الحرمان من صلة الرحم، أو الاستيلاء على الأموال، أو الطرد من بيت الزوجية، وقد يصل الأمر إلى ممارسة الضرب، وكذلك عدم احترام الرجل أمام الأبناء والجيران والأقارب ، لكن الأخطر هو دس السم في الأكل أو الشرب.
* السعودية : تزايدت جرائم العنف على الرجال في السعودية بصورة كبيرة ، وحذّرت جوهرة العنقري رئيسة لجنة الأسرة في اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان من تزايد هذه الجرائم, مؤكدة على تسجيل عدة حالات ضرب وقعت على الرجال تتراوح ما بين عنف نفسي وجسدي كالتعذيب وصب الزيت الساخن.. وغيره
* الجزائر : كشفت دراسة أجريت لمختص الطب الشرعي البروفسور رشيد بلحاج أن هناك 54حالة عنف في المحاكم الجزائرية ضد الرجال من طرف زوجاتهم خلال السنوات الأخيرة بمصلحة الطب الشرعي أدى بعضها للقتل.

وأكد بلحاج الخبير لدى المحاكم أن "مصالح الطب الشرعي على مستوى الجزائر العاصمة فقط ، تستقبل يوميا 5 حالات ضرب وجرح متبادل بين الأزواج، ما يؤكد أن ظاهرة العنف الأسري استفحلت في الجزائر وبشكل مخيف".

وتشير التقديرات النسبية للمختصين  أنه يوجد أكثر من 1000 حالة اعتداء بالضرب والجرح العمد من طرف نساء ضد أزواجهن متفاوتة في الخطورة، ويعتبر عدد حالات الاعتداء المتبادل بين الأزواج في رأي البروفسور، أكبر بكثير بالنسبة للرقم السابق ، موضحاً أن هذه الأرقام ضئيلة مقارنة بالواقع، وهي تعكس فقط ما تسجله مصالح الطب الشرعي.





* مصر
: ولعل من أبرز الدراسات التي كانت جرس إنذار لزيادة معدل ضرب الأزواج كانت للدكتور السيد عوض أستاذ علم الاجتماع في كلية الآداب جامعة قنا , مشيراً إلى تفاقم عنف الزوجات ضد أزواجهن ، موضحاً أن غالبا ما يسبق ممارسة العنف ضد الأزواج نشوب خلافات زوجية بين الطرفين, وأن أكثر حالات العنف عدداً تكون ضد الزوج الذي يتخطى سن الخمسين عاماً من عمره, وتكون في الحضر والريف معاً, وغالبا ما يكون الأزواج تجاراً أو يعملون خارج البلاد أو موظفين أو فلاحين في المزارع بل إن بعضهم مدربون رياضيون.

كما كشفت الدراسة عن أساليب العنف ضد الأزواج ، حيث قالت الزوجات المتهمات بالعنف ضد أزواجهن في الريف إن الأساليب تبدأ بالشتائم ثم تتصاعد إلى التهديد بالضرب ثم بالاعتداء البدني وربما القتل في بعض الأحيان, أما زوجات الحضر فقلن إنها تبدأ بالمناقشة والحوار ثم تتطور إلى الشتائم والتهديد بالضرب واللجوء إلى الشرطة وفي بعض الأحيان إلى القتل أيضا.‏
وكشفت دراسة مصرية أخرى لمركز ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان حول العنف ضد الرجال عن ارتكاب 111 جريمة بحق الرجال في المجتمع المصري خلال النصف الثاني من عام2005‏ ، وأوضحت أن الجرائم المرصودة توزعت على 85 جريمة قتل, 15 جريمة سرقة, 11 جريمة اعتداء بالضرب.‏
أما الدافع لارتكاب هذه الجرائم بحق الزوج فكان على خلفية خلافات أسرية بنسبة 65% وخيانة الزوج بنسبة 15% وخيانة الزوجة بنسبة 5% و السرقة أو الاستيلاء على أموال الضحية بنسبة 15%.‏

* تونس : خلال السنوات الأخيرة استقبلت بعض الجمعيات والمنظمات الأهلية التونسية حالات عديدة من الرجال يمارس عليهم العنف بجميع أنواعه من قبل زوجاتهم ، يقف فيها الرجل شاكياً عنف زوجته ، فيما حوّل أحد المعنّفين بيته ملجأ لزملائه الهاربين من عنف زوجاتهم ،وصولا إلى الإعلان عن تأسيس جمعية للدفاع عن الرجال أطلق عليها اسم "الجمعية التونسية للدفاع عن الأزواج المعنَّفين".
وعن هذا الواقع رصد المخرج التونسي  فخر الدين السراولية هذه الظاهرة من خلال فيلم "الملجأ" الوثائقي الذي ارتكزت قصصه على حالات واقعية لرجال يعيشون بملجأ خاص للمضطهدين من قبل زوجاتهم  
استطاع "الملجأ" منذ فتح أبوابه سنة 2002 استقبال ما يقارب 120 زوجاً معنَّفا مابين تونسيين وجنسيات عربية أخرى ، ولكن أثيرت حوله عدة إشكاليات فيما يتعلق بوضعية الرجل التونسي والعربي، وخاصة بعد الأرقام التي أشارت إليها دراسة صادرة عن الديوان الوطني للأسرة تتعلق بظاهرة العنف داخل الأسرة والمجتمع التونسي والتي كشفت أن 10% من الزوجات يضربن أزواجهن و30% منهن يعتدين عليهم بالعنف اللفظي. 
اختلال للتوازن





وعلق الباحث الاجتماعي د.خليفة المحرزي عن هذه الظاهرة التي يصعب على الأرقام الإفصاح عنها بصورة دقيقة قائلاً : هناك أرقام ومؤشرات ترصد الظاهرة وتكشف أنها تتجه نحو الزيادة بل وتتفاقم ، بعد أن كانت المجتمعات العربية في السابق تكاد تخلو من مثل هذه الظواهر ، ولكن للأسف الآن بدأت تتضح ، وظهرت بالفعل شكاوي بالمكاتب الاستشارية لرجال يطلبون منا أن نتدخل لأخذ تعهد من الزوجات بعدم التعرض بالضرب ، ومعظم هؤلاء الرجال ينتمون إلى " MPH أو الشخصية الضعيفة الهزيلة" وهي شخصية حسية ترتضي بالعنف كوسيلة من وسائل البقاء مع الزوجة ، ومعظم النساء اللآتي يقمن بالاعتداء على الرجل عادة ما تصنف شخصياتهن إلي "HPA أو الشخصية العنيفة القوية " وهي شخصية قيادية تمتلك القدرة على إدارة زمام المنزل ، ومعظم النساء المعتديات يتميزن بقوة الشخصية أو "المازوخية العنيفة" وهى التي تحمل السيطرة والقوة على إدارة الصراع مع الطرف الآخر ، ومن جانب آخر فإن معظم الرجال المعنفين يعتبروا الضرب وسيلة وليس إهانة ، بمعني أنه يرتضي ما يحدث له كي يبقي مع المرأة ، والعجيب أن البعض يستمتع عندما تفرغ المرأة مشاعرها العاطفية عن طريق الضرب والعنف على خلفية تربية سابقة بالمنزل.

وألقي د. المحرزي الضوء على أن معظم نساء المجتمعات العربية تستخدم الضرب كردة فعل ، لذلك نري أن بعض النساء تستخدم لسانها وكلامها بطريقة عنيفة عندما تتحدث إلى الرجل وقد تلجأ أثناء الشجار إلى "التكسير" والتدمير بهدف تفريغ شحنة الغضب ، ولكن تطور الأمر إلى الإيذاء الجسدي للزوج ، وفي حالة تغاضيه عن هذه التصرفات فإن الأمر يتفاقم بصورة أبشع .
ولفت د. المحرزي الانتباه إلى أن سواء كان المعنف رجلاً أو امرأة فالتأثير السلبي يذهب ضحيته الأطفال ، وإذا كان ضرب الرجل للمرأة يولد سبع مشاعر مدمرة عند الطفل ، فضرب المرأة للرجل تولد لدي الصغار أكثر من 19 أثر سلبي ينعكس على حياتهم ، لأن اعتداء المرأة على الرجل يعني اختلال القيم داخل المنزل ، وذهاب مفهوم الاحترام والقيم الأخلاقية والسلوكية فى التعامل مع البشر داخل المنزل أو خارجه ، ويضيف : وبوجه عام سوف يتعرض الطفل إلى مزيد من الانهيار ، وسوف يتعامل مع المرأة بنظرة أحادية ، فعندما يري أبوه يتعرض للضرب ،سيلجأ إلى ردة فعل عكسية ليحمي بها نفسه وسيتعامل مع زوجته بطريقة معاكسة تماماً قد يؤذيها ويتعمد أن يمارس عليها العنف حتى لا تتكرر مأساة والده، ولن يتعامل بمفهوم المرونة على الإطلاق ، لأنه يعتقد أن مرونة الأب كانت وسيلة للاعتداء عليه ومن هنا يأتي مفهوم الاختلال فى القيم ولن يعرف شيئاً عن الاحترام أو التقدير أو الانسجام ولن يفهم هذه المفاهيم بطريقتها الصحيحة ، بالإضافة إلى عجزه عن استمداد بعض القيم التي من المفروض أن يأخذها من الأب والأم ، الأمر الذي يجعله متذبذب في حياته ، ولن يضع للأمن النفسي والعاطفي أي اعتبار أثناء التعامل مع المرأة.





ويشير د. المحرزي أن هناك نساء تلجأ للعنف دفاعاً عن نفسها من العنف الواقع عليها الرجل ، وهذا طبيعي لأنها بذلك تمتنع عن تلقي المزيد من الألم ، ولكنه يلقي الضوء على أن أغلب حالات العنف تقع من المرأة العنيفة بدرجة مرضية ، والتي تبرز تصرفاتها لتصريف "طاقاتها الذكورية" بحيث تؤذي الرجل ليصل الأمر إلي الإيذاء الجسدي والتعذيب الذي قد يصل إلى القتل ، وتتعامل مع  الرجل بطريقة عنيفة.

ويرجع د. المحرزي سر كارثة العنف الأنثوي الذي يحمل طابعاً ذكورياً ، وانتشار مراكز التأهيل النفسي للرجال المعنفين إلى اختلال القيم بالمجتمعات العربية ، وتغير طريقة تفكير المرأة التي تفكر أن العنف سيجعلها تنال حقوقها من الرجل ، والسيطرة والهيمنة على المنزل لا تأتي إلا بالقوة ، وبذلك تتعامل بعض النساء بهذا المنطق ، وبالتالي لا تسير العلاقة بالطريقة الصحيحة ، وبالتالي اختل التوازن في العلاقة بين الرجل والمرأة وضاع مفهوم القوامة.

ليست هناك تعليقات: